البيئة وظاهـرة الانحبـاس الحـراري
يعتبر الانحباس الحراري ظاهرة طبيعية بفضلها أصبحت الحياة على الأرض ممكنة ، فأشعة الشمس التي تصل إلى الأرض هي التي تسمح بإبقائها على حرارتها المعتادة. ولكي تستطيع فعليا أن تقوم بهذا الدور يجب حبسها في الغلاف الجوي القريب من الأرض ومنعها من الانتشار بعيدا عنه، وهو الدور الذي يقوم بـه غلاف غازي مكون من بخار الماء وغازات أخرى تماما مثل غلاف البلاستيك الذي تغطىبـهالمزروعاتلكي يؤمن لها الحرارة المناسبة لنموها في زمن البرد القارس . إنها ظاهرة الانحباس الحراري التي دونها يمكن لدرجة الحرارة المتوسطة للأرض أن تهبط إلى حوالي 18°درجة تحت الصفر، وهي حرارة غير ملائمة للحياة على كوكب الأرض، وبالطبع عندما تزداد كمية الغازات المسببة لظاهرة الانحباس الحراري الناتجة عن الأنشطة البشرية المختلفة في الغلاف الجوي للأرض تزداد قدرة هذا الغلاف على حبس الحرارة مما ينتج عنه ارتفاع في متوسط حرارة الأرض .
* ومن الغازات المسؤولة مباشرة عن ارتفاع حرارة الأرض نذكر ثاني أكسيد الكربون (CO2) وغاز الميثان (CH4) وأكسيد النتروز (N2O) وبعض الغازات الأخرى، وبالرغم من أن غاز ثاني أكسيد الكربون له دور ضعيف نسبيا في ظاهرة الانحباس الحراري فإنه يعتبر المسؤول الرئيسي عن ظاهرة ارتفاع حرارة الأرض بسبب الزيادة الهائلة في تركيزه في الجو نتيجة الأنشطة البشرية وخاصة عمليات حرق الوقود ( فحم ‑ بترول – غاز طبيعي ) لتوليد الطاقة الكهربائية إضافة إلى إتلاف الغابات أو حرقها وهي التي تمتص كميات هائلة من هذا الغاز من الجو.
* أما الميثان وهو من أقوى الغازات المسببة لظاهرة الانحباس الحراري فينتج عن مصادر مختلفة أهمها عمليات استخلاص الوقود ( التكرير ) وتحلل الفواضل وحظائر تربية الحيوانات وحقول الأرز.
* أما أكسيد النتروز وهو كذلك من أقوى غازات الانحباس الحراري فينتج من استعمال الأسمدة الآزوتية وحرق الوقود.
* أما الهالوكربيدات ( HFC, PFC, SF6) وهي مركبات اصطناعية تستعمل خاصة في عمليات التبريد والتكييف ، وهي من أقوى غازات الانحباس الحراري إضافة إلى دورها المعروف في تخريب طبقة الأوزون .
* وحسب علماء البيئة فإن الأنشطة البشرية قد تسببت في زيادة كبيرة في تركيز غازات الانحباس الحراري في الجو في الفترة الممتدة من بداية الصناعة في القرن الثامن عشر وحتى الآن. وحسب نفس الخبراء أن متوسط الزيادة في حرارة الأرض منذ 1860 قد قدر بحوالي 0,4 إلى 0,8 درجة مئوية أما الزيادة المتوقعة مستقبلا ونتيجة إلى تركيز غازات الانحباس الحراري فإن حرارة الأرض سترتفع بين 1,5 إلى 6 درجات مئوية.
* إن المحافظة على البيئة والتوازنات الطبيعية من أساسيات التنمية الاجتماعية والبشرية. وقد تضررت البيئة كثيرا بسبب النشاطات البشرية المختلفة على جميع المستويات. وأصبح من الضرورة بمكان الاهتمام أكثر بما أصبح يعرف بالكوارث البطيئة التي يبدو أن تأثيرها مهمل على المدى القصير. لكنه قد يصبح مأساويا على المدى الطويل ، لقد بدأت هذه المشاكل تحظى باهتمام متزايد من طرف السياسيين في العالم وأصبحت تعقد لها المؤتمرات والندوات العالمية الكبيرة مثل: قمة الأرض التي عقدت سنة 1992 في ريو دي جانيرو بالبرازيل. ثم مؤتمر كيوتو في اليابان عام 1997 قصد دراسة المشاكل البيئية ومحاولة إيجاد الطرق المختلفة للحد من تأثيراتها وانعكاساتها على حياة البشر إلى درجة أن الكثيرين أصبحوا يتكلمون عن عولمة بيئية ، فمشاكل البيئة تهم جميع الناس والجميع مطالب بالتحرك وتكثيف الجهود قصد وضع حد لها قبل فوات الأوان.
* لقد تعرضت أجزاء كبيرة من العالم وخاصة أوروبا الغربية خلال السنوات الأخيرة إلى ظروف مناخية قاسية جدا تمثلت في العواصف الهوجاء والفيضانات التي جرفت كل شيء اعترض طريقها وأدت إلى وفاة العديد من الأشخاص . كذلك تعرضت مناطق أخرى من العالم إلى موجات الجفاف الطويلة الأمد وما يتبع ذلك من مجاعات وانتشار الأوبئة والأمراض.
* انكب علماء المناخ والمختصون في قضايا البيئة على دراسة هذه الظواهر ومدى علاقتها بالتغيرات المناخية كما قدر العلماء أن هناك تغيرات مناخية خطيرة هي قيد الحدوث فعلا. وأن ما حدث أخيرا من عواصف وفيضانات وجفاف قد يصبح شيئا معتادا في المستقبل.
* خرجت قمة الأرض التي عقدت في ريو دي جانيرو بالبرازيل سنة 1992 باتفاقية وقعها عدد من رؤساء الدول حول الالتزام بمكافحة التغيرات المناخية وقد جاء في الاتفاقية أن أسباب التغيرات مسؤولية مشتركة بين جميع الأمم إلا أن الدول الصناعية الكبرى يتحتم عليها أن تأخذ مركز القيادة في مقاومة التغيرات المناخية وآثارها السلبية المختلفة نظرا للإمكانيات الكبيرة المتوفرة لديها إضافة إلى أنها أكثر تلويثا للبيئة من بقية الدول الأقل تصنيعا وقد كان الهدف النهائي للاتفاقية هو :
1) الحد من التزايد المطرد لتراكيز غازات الانحباس الحراري في الجو.
2) ضمان توافر الإنتاج الغذائي اللازم للبشر وعدم تعرضه لخطر النقص .
3) ضمان استمرار التنمية المستديمة.
* أما في قمة كيوتو باليابان في سنة 1997 تحت إشراف الأمم المتحدة وشاركت فيها 160 دولة فقد نوقشت مشكلة التغيرات المناخية وتوصلوا إلى معاهدة دولية لتنظيم مكافحة غازات الانحباس الحراري بعد سنة 2000 والتزمت الدول الصناعية الكبرى بتخفيض انبعاثها من الغازات ووزعت معدلات التخفيض على الدول الصناعية كما يلي:
8 % لدول الاتحاد الأوربي ومعظم دول أوربا الوسطى والشرقية.
7 % للولايات المتحدة الأمريكية .
5 % لليابان .
0 % لروسيا .
ولم تحدد القمة العقوبات التي قد تسلط على الدول التي تخل بالتزاماتها.
* في سنة 2000 انعقدت قمة أخرى في لاهاي حول التغيرات المناخية.
* كل هذه الاتفاقيات والمعاهدات فشلت في الوصول إلى اتفاق حول الطرق العملية لتطبيق الالتزامات التي تعهدت بها الدول الصناعية والخاصة بتخفيض انبعاث غازات الانحباس الحراري . وبقيت كل الالتزامات والمعاهدات حبرا على ورق والمناخ والبيئة بصورة عامة في يد الدول الصناعية الكبرى التي أصبحت تتحكم في كل شيء في عالمنا المعاصر ( الغذاء – الصناعة – البيئة ـ السلاح ....... ).